لم يكن يحبّذ أصوات الأعواد التقليدية فقرّر صنع عوده بنفسه تعرّفوا على الفنان عماد البلاني صاحب محترف ” أصيل “
كتب الصّحافي عبدالله ذبيان لموقع الميادين نت، مقالًا يحمل العنوان التّالي: المهنة النادرة مع عماد البلاني: قررت أن أصنع عودي بنفسي
وهذا ما جاء فيه:
طوبى لمن يهجع إلى الموسيقى و”نوتاتها” وسلالمها الموسيقية، فهي غذاء الروح ونديم الاحساس، ورفيف الوجد، فكيف إذا كان المرء “موسيقياً”، يلحّن ويعزف ويدق ويطرب ويُطرب ويشنّف الآذان ويحيي السقيم!؟
الموسيقى نبضٌ من قلبٍ مرهف، تأخذنا الهوينا إلى عالمٍ شفاف، ملؤه الألق وهدفه الانعتاق…
طوبى لمن يهجع إلى الموسيقى و”نوتاتها” وسلالمها الموسيقية، فهي غذاء الروح ونديم الاحساس، ورفيف الوجد، فكيف إذا كان المرء “موسيقياً”، يلحّن ويعزف ويدق ويطرب ويُطرب ويشنّف الآذان… فيحيي السقيم!؟
وبعد الطوبى… مرحى أيضاً لصانع الآلات الموسيقية، وتحديداً الوترية… مطوّع الخشب، “مدوزن” الأوتار، المحافظ على التراث والماضي العتيد التليد بفضل أمثاله….
كل هذا يدور في مضمار اللبناني عماد البلاني، الذي خرج منذ نعومة أظافره عن سكة ما ينزع إليه شباب كثر هذه، فتطلّع إلى التغريد خارج سرب أترابه وأقرانه…
أذكر جيداً….
يقول البلاني لـ الميادين نت “لقد بدأ انتباهي لحب الموسيقى منذ الصغر عندما كان عمري 6 سنوات ونصف، وأذكر جيداً حين كان والداي يسهران على شرفة البيت يستمعان إلى “اغاني الزمن الجميل “، كما يقال اليوم لـ “أم كلثوم وعود القصبجي، فريد الاطرش واسمهان وعبد الوهاب والسنباطي …الخ.
ويضيف ” في إثر ذلك عشقت الموسيقى وآلاتها فبدأت مع الفلوت المدرسي في المرحلة الابتدائية، ومررت بالغيتار والبيانو وفيما بعد إلى آلات موسيقية أخرى، لكن شغفي الكبير كان بآلة العود حيث بدأت تعلّم العزف بنفسي، أسمع وأطابق اللحن ثم عملت كعازف في بعض المقاهي والمطاعم”.
دراسة آلة العود
صقلت موهبتي بالدراسة في المعهد الوطني العالي للموسيقى في بيروت وعند السنة السابعة توقفت عن اكمال دراسة العود بعدما اتممت دراسة المواد النظرية المطلوبة حينها، وبعد اكثر من 15 سنة التحقت بالمعهد الانطوني للموسيقى وحصلت على شهادة الدبلوم في آلة العود بدرجة جيد جداً.
ويعقّب “عملت كمدرس لمادة التربية الموسيقية في العديد من المدارس والمعاهد والجمعيات ،شاركت في اعمال مسرحية كمشرف على الموسيقى وملحن للاغاني ،بالاضافة الى مقطوعات موسيقية من تأليفي قدمتها في مهرجانات محلية على مسارح لبنان وأيضاً في فرنسا.
حماسة البلاني وحبّه لعالم الموسيقى جعله ينزع إلى سبر غور آلاتها، خاصة الوترية منها، وهنا يقول “منذ سبع سنوات وأنا أصنع آلة العود والبزق وكنت قد صنعت آلة “السنطور”، وكان لي تجربة وحيدة في صناعة آلة “القانون”… هذا وعملت كمدرّب ومعلّم لتعليم صناعة الة العود و”البزق” مع احدى الجمعيات الاهلية وكنت فرحاً بسبب تخريج عدد جيد من الشباب والشابات وحتى الصغار خلال دورتين لفترة سنتين، فقد أمسى لدينا من يصنع العود منهم.
حالياً لدى عماد البلاني محترف أسماه ” أصيل ” لصناعة العود العربي في مدينة الشويفات قرب العاصمة اللبنانية بيروت.. حيث يواظب على تعليم العزف على العود “حبّاً وعشقاً لهذه الآلة الشاملة الرائعة”.
صوت العود شبيه بدقّات القلب
ونطرح السؤال حول اختياره للآلات الوترية فيجيب “لطالما أحببت الصوت الصادر عن عملية العفق في الوتر .. فهو صوتٌ شبيه بدقات القلب ، وكانت تجربتي مع الآلات الوترية، والتي تعد أكثر صعوبة من الآلات الموسيقية الأخرى من حيث العزف والتعلّم، تجربة جيدة، من خلال العزف والتعليم للآلات الوترية المتوافرة ولا سيما العود والبزق والغيتار والكمان والقانون”.
وكما هو معروف فإن الآلات الموسيقية تقسم بالمجمل إلى إيقاعية ونفخية ووترية.
ويتبحّر البلاني في الكلام عن الأخيرة: “كما ذكرنا فإن الآلات الوترية هي أكثر الآلات الموسيقية صعوبة من حيث العزف، وكانت الأوتار سابقاً تصنع من أمعاء الحيوان، كما أن الريشة (المضرب) كانت تصنع من ريش الطيور الكبيرة كالصقر والنسر.
ومن أقدم الالات الموسيقية الوترية “الجنك والكنارة” أو Lyre , Harp التي تعود إلى أكثر من 3000 سنة ما قبل الميلاد، ثم هناك العود حيث برهنت الاكتشافات أن أصوله عربية وبداية من العراق منذ العصر الاكادي (٢٣٥٠_٢١٧٠) قبل الميلاد ، ومن هناك انطلق العود الى باقي العالم بعكس الرأي الذي يقول ان اساس العود اوروبا حيث كانت اوروبا غارقة في الظلام والجهل يومها، وصناعة العود كانت تتطلب درجة من المدنية والتحضر ومنه استوحيت آلات موسيقية مثل Lute المعروف في الغرب وهو شبيه بالعود”.
محترف “أصيل” والعود التقليدي
نصل إلى الفقرة الأساسية تلك التي تهم الموسيقي المتحمّس دوماً للعطاء في مجاله الرحب، وهي صناعة العود والالات الوترية الشرقية.
ويردف قائلاً “ولدت فكرة صناعة العود لدي منذ عدة سنوات، حيث أني لم أكن أحبذ أصوات الأعواد التي اقتنيتها، والتي لم تعطني إحساس العود الشرقي الأصيل، إذ لطالما طُربت لصوت عود الموسيقار محمد القصبجي وعود الكبير فريد الأطرش وغيرهما من العمالقة الكبار في تراثنا المشرقي العربي الأصيل، لذلك كله، قررت أن أصنع عودي بنفسي، عودٌ يشبه ما كنت أحب وأسمع وبدأت تجربتي بالدخول إلى المواقع الالكترونية والكتب التي منذ عام 2016، إلى أن أسسّت محترفي “أصيل” لصناعة العود المشرقي العربي.
ويوضح أن ” أصيل ” هو واحد من المحترفات والورشات القليلة العدد نسبياً لصناعة العود المنتشرة في لبنان ووطننا العربي، وهنا يختلف صوت العود باختلاف الصانع وروحه التي يبثها في عملية الخلق تلك، وبرأيي فإن الكثير من صانعي الأعواد قد ابتعدو عن الشخصية الاساسية للعود وبدا كصوت “المندولين” أو العود الاوروبي بما يتلائم مع هذا الغزو الثقافي الذي نعانيه على كافة المستويات، إلاّ أنني كنت ومازلت مصراً على التمسك بصناعة العود التقليدي وهذا شيء أفتخر ،لا بل أفاخر به”.
ويستطرد قائلاً ” طبعاً لا أدعي أنني وصلت ألى ما أريد في محاولاتي، ولكنني مستمر في التجارب والمحاولات علّني أصل إلى مكان مرضيّ، والحمد لله فقد وصلت الى بداية متقدمة لا بأس بها من تقريب صوت عودي الى صوت العود التقليدي وبنسبة مرضية بعد الشيء”.
“صناعة العود صناعة راقية وجميلة وتتطلب الكثير من الجهد والتفكير والفن والذوق والتأمل والصمت والسمع المتواصل للموسيقى المشرقية التقليدية وأيضاً كلما كان الصانع على معرفة بيّنة بالعود كلما كانت الصعوبات أقل ومن الموجب أن يكون الصانع عازفاً، وكلما كان ماهراً كعازف كلما على معرفة بالصعوبات التي تواجهه . بالاضافة الى المعرفة بعمليات النجارة وطرق التعامل مع الأخشاب باختلاف أنواعها ، وتركيبها من حيث الكثافة والخاصيات الأخرى فمثلاً صدر العود أو وجه العود يجب أن يكون من الخشب قليل الكثافة كالصنوبريات مثل الشوح والشربين ، أما القصعة أي القسم المقعر من العود يجب أن يكون من الخشب الصلب نسلياً كالجوز والزان” .
صناعة العود للجميع!
من الأمور التي تجعل هذه الصناعة نادرة وصعبة أمر هام جداً وهو الصانع نفسه الذي لا يريد أن تصبح هذه الصناعة ملك الجميع بل أن تكون متوارثة ومحصورة بالعائلة والأبناء فقط، ولطالما عانينا وعانى من عانى حيث يمكن لصانع لديه الخبرة المديدة في الصناعة أن يوفر عمل سنين من التجارب والمحاولات لصانع جديد خوفاً منه إفشاء (سر المهنة).
وإذ يدعو إلى”الإسراع في تعليم الأطفال الموسيقى وخاصةً العربية الأصيلة منها التي تكاد تنعدم في ظل هذا الهبوط في مستوى الغناء والتأليف الموسيقي إلى درجة مخيبة للآمال”، يختم البلاني بقوله “لنعالج روحنا المتعبة بموسيقانا التي لن يستطيع أي كان أن ينسينا مكانتها وقيمتها في إعادة الثقة في حضارتنا لتكون منارة تشعّ في كل بقاع الأرض” .