وسام عبد الصمد الأستاذ العربي الأكثر تأثيرًا في إيرلندا… من هو؟

وسام مع تلاميذه

بشوفك – فرح الحسنية

عندما تسأل وسام عبد الصمد الأستاذ في ثانوية St Fintan’s High School في العاصمة الإيرلندية دبلن، ما هي المواد التي تدرّسها يجيب: “أعلّم العلوم والرياضيات والحرية”.

نهج تعليم ضجت به المدارس ووسائل الإعلام في إيرلندا ووصلت نتائجه إلى مجلس النواب الإيرلندي، استحدثه أستاذ عربيّ مهاجر، ليخرق أنظمة المدارس الدينية الكاثوليكية المتشددة، ويكسر حاجز اختيار أساتذة التعليم من المواطنين الأصليين فقط.

هو واحد من بين الأساتذة العشرة المهاجرين الذين دخلوا النظام التعليمي في إيرلندا منذ العام 1922، إنّه الأستاذ الكفؤ الأوّل في جامعته والثاني في جامعات البلد، والملقب بالأستاذ الأكثر تأثيرًا في إيرلندا، هو وسام عبد الصمد ابن عماطور الشوف.

الأستاذ وسام عبد الصمد

 

صفه غرفةٌ بمساحة تتسع لكل الأفكار، وبسقف عالٍ يطال الحريات على أنواعها، وبجدران مهدّمة بفعل انفجار طاقات التلاميذ الهائلة وغير المحدودة. أسلوبه انقلاب على المناهج التعليمية المعلّبة والملقّنة، فهو لا يرى الصف حالًا واحدة، بل يرى في كل تلميذ عالم بحاله، يسمح له أن يعيشه إلى أبعد الحدود.

إنها ثورة في التعليم أو تعليم الثورة، وهي نفسها ثورة وسام ابن الحرب اللبنانية التي أرادها أن تكون في مكان عمله. وبعد سنوات معدودة أنتجت ثروات تنبع من صفّه، وتتدفق في المجتمع لتغيره إلى الأفضل.

 

 

 

هو لا يعطي التلاميذ المعلومات بقدر ما يعطيهم المساحة للبحث عنها، وبحسب أحد تلاميذ وسام أو “سام” كما يلقبونه يقول: “هو لم يلهمنا بما فعله لنا، بل بما سمح لنا أن نفعله من أجل أنفسنا”.

 

المناهج المتبعة في طريقة التعليم
الحوار والتواصل والتفاعل، والعدالة الاجتماعية، والحسّ النقدي بعيدًا عن القمع والتلقين، هي أساسيات أسلوب وسام، الذي يهدف إلى أن يكون لكل فرد صوت وقدرة على التغيير في محيطه ومجتمعه.

فمن الصف يبدأ التغيير، ومن اليوم الأول لدخوله حيث لا يضع قوانينه بنفسه بل يضعها بالإتفاق مع التلاميذ. ويعمل على إعادة بناء العلاقة بين الأستاذ والتلميذ وهدم طبيعة العلاقة التقليدية، أو ما يعرف بـ Deconstructing and Reconstructing student_teacher power relationship.

يدرّس وسام تلاميذ المرحلة الثانوية التي تترواح أعمارهم بحسب نظام إيرلندا بين 12 و18 عامًا، إذ أدخلت إلى المنهج برامج تعزز العدالة الاجتماعية كالمساواة الجندرية، وعدم التمييز العنصري، وطرق مواجهة التغيّر المناخي…

 

 

 

كما تتبع المدارس برنامج “المبتكرون الاجتماعيون الشباب” “Young Social Innovators” وهي مسابقة وطنية، حيث يقدّم التلاميذ مشاريع تتركّز على الابتكار الاجتماعي “Social Innovation”، وتمنحهم القدرة على التغيير، باتباع المنهجية الأتية:
1-    منح التلميذ صوت للتعبير
2-    تعزيزه بالمعلومات والمهارات
3-    جعله قادرًا على التغيير
4-    تعليمه خطوات التغيير
5-    تقيّيم الخطوات
6-    قدرة على تعليم غيره ما تعلّمه

 

بالإضافة إلى ذلك يتّبع وسام أسلوب التعليم النقدي أو “Critical Pedagogy” الذي يميّزه عن باقي الأستاذة والمدارس، بهدف تنمية الحسّ النّقديّ البنّاء عند التلميذ، ويؤهله لدراسة أي فكرة.

النظام العام في الصف
لا يستخدم وسام السلطة المتاحة له بل يتعامل مع التلاميذ كما يتعامل مع الأشخاص خارج الصف، فيمكن للتلميذ أن يتحدث مع زملائه أثناء الشرح، ويترك الصف من دون إذن، باختصار يمكنه أن يفعل ما يشاء حتّى الوقوف على الطاولة!

أستاذ لا يحضّر درسه مسبقًا، لا يعاقب بالقصاص، ولا يعطي واجبات إلى المنزل!

وفي حديث إلى موقع “بشوفك” معه، وسؤاله عن هامش الاحترام والانضباط في الصف، يقول: “هذه ليست حرية مطلقة إنما مسؤولية يتعوّد التلميذ على تحمّلها وتجعله صاحب قرار أفعاله”.

والملفت أنه رغم هامش الحرية المتاح يقول وسام إن تلاميذه منضبطون جدًا ولا يضطر إلى توجيه الملاحظة لأحدهم، وإن حصلت أي فوضى يتولى التلاميذ مهمة تهدئة رفاقهم.

والخطوط الحمراء الوحيدة بالنسبة إليه هي إهانة الأستاذ، فعندها يطلب من التلميذ الخروج من الصف، لمناقشة ما حدث سويًا.

 

 

 

كيف يتصرّف مع التلميذ الذي لا يتجاوب معه؟

في هذه الحالة، يطلب الأستاذ وسام الحديث مع التلميذ على انفراد، ويقول له: “لديك فرصة للتعلم وأنت لا تستفيد منها، أنصحك بإعادة تقييم أفعالك”، فبعد هذا الحديث يتجاوب التلميذ ويبدأ المحاولة لإثبات نفسه.

ويوضّح عبد الصمد أن تقييم التلميذ لا يعتمد فقط على الامتحانات إنما على نسبة التفاعل والمشاركة والمشاريع وطريقة عرضها في الصف، ولهذا تتقدم علامات أي تلميذ حتّى لو كان ضعيفًا في صفوف أخرى.

 

طريقة وأسلوب شرح الدرس

يبحث الأستاذ وسام عن العبقري في كل تلميذ، فيبدأ الشرح عبر طرح مشكلة ويطلب إيجاد الحلول لها، عبر التفكير والبحث بأنفسهم عن المعلومات وعرضها في اليوم التالي إما عبر كتابة موضوع، أو الرسم، أو تصوير فيلم قصير، أو الإلقاء، أو التمثيل، أو عبر تجهيز وتصميم إختبارات في المختبر “Learning by Doing”… هي طريقة تجعل التّلميذ مفكّرًا وليس متلقّيًا، يشرح الدرس لنفسه ولأصدقائه.

والجانب الآخر الأهم هو الشرح عبر عمل مقاربات بين الشق النظري والواقع المعاش، فيخرج التلميذ بنتيجة مزدوجة وقد فهم المنهج والحياة في درس واحد.

 

 

مثل على طريقة التعليم

عندما يكون الدرس عن المساحة مثلًا والتي تقاس عبر ضرب الطول بالعرض (Area: Lxw)، يطلب وسام من كل تلميذ قياس مساحته الشخصية المتاحة له في الصف، وبعدها قياس مساحة الأستاذ، ويسأل: لِمَ مساحة الأستاذ أكبر من مساحة التلميذ؟ وكيف يمكن جعل مساحته أكبر من أستاذه؟ فيتكرهم يفكرون ويعطون الإجابات، فيفهمون أنّ مساحتهم أجمعين أكبر بكثير من مساحة الأستاذ وحده، ويستنتجون أن المساحة هي بحد ذاتها قوة!

وعلى هذا النحو، يشرح الأستاذ وسام عبد الصمد كل الدروس، حتّى أنه لا يتقيّد بتراتبيتها في المنهج، فيسأل التلاميذ “في أي درس تريدون أن نبدأ”، وحتى لو كان من خارج المنهج يشرحه محاولًا تقريبه من الدروس المطلوبة.

 

أبرز إنجازات التلاميذ

يقول وسام إنه استطاع تحقيق أهدافه في التعليم “Teaching Goals”، ويرى أن تلاميذه تفوّقوا عليه، ولديهم مهارات أكثر منه بكثير، فاستطاعوا أن يواكبوا عصرهم ويسبقوه، وأصبحوا باحثين يمكنهم دراسة أي فكرة.

فبعد درس التغيّر المناخي وفي محاولة لإيجاد حلول للتخفيف منه، استطاع تلاميذ وسام الذين أطلقوا على مجموعتهم اسم “Off Grid” المشاركة في مسابقة Young Social Innovators عبر تجهيز المدرسة بصفائح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، وجعلها أول مدرسة في إيرلندا تعتمد على الطاقة المتجددة، بعد أن قاموا بتجميع مبلغ قدره 8000 يورو، والتوعية على أهمية المشروع، كما قامت مجموعة أخرى من التلاميذ بجمع التبرعات لتجهيز مدارس أخرى بصفائح الطاقة الشمسية، وتجهيز مكتبة في إحدى مدارس دولة زامبيا.

 

 

كما اخترع التلاميذ آلة للزراعة تمدّ المزارع بكل المعلومات التي يحتاجها عن النبتة عبر حساسات مهمتها قياس الحرارة ونسبة الرطوبة والفيتامينات… وتقوم بتحليلها وإرسالها إلى المزارع عبر تطبيق يحمّله على هاتفه.

بالإضافة إلى العديد من المشاريع الأخرى كدراسة مشروع جعل المدرسة لا تنتج النفايات (Zero Waste)..

ولتويثق ونشر إنجازاتهم، أنشأ التلاميذ موقعًا إلكترونيًا، وأنتجوا العديد من الأفلام عنهم.

 

وسام يجذب وسائل الإعلام الإيرلندية
في بلد، تختار وسائل الإعلام مواضيعها بعناية ولا تسلّط الضوء إلا على أبرزها، جذب وسام المحطات والإذاعات للحديث عنه، حيث ظهر في تقارير إخبارية عدّة وأجرى مقابلات عن أسلوب تعليمه وإنجاز المدرسة في توليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية كونها الأولى في هذا المجال.

 

التقرير الإخباري عن إنجاز تلاميذ وسام

 

 

هل يمكن تطبيق أسلوب وسام في لبنان وما هي خططه لبلده؟
في ظل هذا المجد، لم ينسَ وسام بلده الذي سيعود إليه في شهر حزيران المقبل وقد حضّر له مشاريع عدّة ينوي تطبيقها في لبنان، فحصل على موافقة الدولة الإيرلندية لجلب نظام Young Social Innovators إلى لبنان، وسيبدأ اعتماده في إحدى المدارس.

كما ينوي تأسيس جمعية تعزز ثقافة التغيير عند التلاميذ، ويبحث حاليًا عن مبنى لتأسيس مدرسة تكرّس نهجه في التعليم.

ورغم ضغط المناهج الدراسية في لبنان، يرى وسام أن تطبيق طريقته ممكنة خصوصًا في الوقت الإضافي المخصص للنشاطات في المدارس.

 

 

 

وسام عبد الصمد الأستاذ الأكثر تأثيرًا في إيرلندا من هو وكيف وصل إلى ما هو عليه؟

هو من مواليد العام 1977، ولد ونشأ في الشوف، درس اختصاص الهندسة الوراثية في لبنان، وفي العام 2000 سافر إلى إيرلاندا ودرس التربية والتعليم، وحصل على أعلى علامات سجّلت في تاريخ الجامعة، فكان الأول على جامعته والثاني على كل جامعات إيرلندا.

عمل لسنوات عديدة في مجال التصوير ولم يحصل على فرصته في التعليم كونه مواطنًا مهاجرًا، إلا أن عطلة الأمومة لإحدى المعلمات كانت هي فرصته، حيث اضطرت المدرسة إلى الاستعانة به مدة ستة أشهر ريثما تنتهي إجازة المعلّمة.

وفي هذه الفترة كان وسام يحدث ضجة غير مسبوقة في المدرسة، وسط مطالبات جميع الطلاب بدخول صفه، وذلك كان في العام 2015.

ومن خلال نظام Young Social Innovators الذي يسمح للتلاميذ بتقييم الأساتذة، حصل وسام على جائزة الأستاذ الأكثر تأثيرًا في الدولة “Most Inspiring Teacher”، بعد أن رشّحه التلاميذ لهذا المنصب.

 

 

يقول وسام: “لقد ولدت في الحرب، ولدي حساسية كبيرة على كل المواضيع التي تتعلق بالقهر الاجتماعي، واخترت أن تكون ثورتي في مكان العمل وهو التعليم كرد فعل على سنين من العذاب والقهر في وطني”.
 

ويؤكد: ” تلاميذي يحرّرونني فأنا أعلمهم وأتعلّم منهم”، وكل انجازاتهم هي من ابتكارهم واختراعهم من دون أي تدخّل مني”، ويعترف: “أنا لا أعرف حتّى كيفية تنفيذها”.

 

 

وفي شهادة من أحد تلاميذ وسام، يدعى Ethan Dodd، الذي كتب رسالة مطوّلة عبّر فيها عن مدى تأثره بأستاذه، يقول: “الأستاذ وسام أعطانا فرصة طرح الأسئلة والتفكير في أمور لم نتوقع يومًا أنه يمكننا تناولها” ويضيف: “لقد أعطانا صوتًا وجعلنا نشعر بأننا سواسية في الصف وخارجه”، “هو لم يلهمنا بما فعله لنا، بل بما سمح لنا أن نفعله من أجل أنفسنا”.

 

بالفيديو مشروع الطاقة الشمسية من ابتكار تلاميذ وسام موضوع مناقشة في المجلس النواب الإيرلندي

 

 

فهل ستكون رحلة اكتشاف المبدعين سهلة على وسام، أم سيواجه صعوبات وعقبات قد يكون بعضها غير متوقّع ؟ وهل ستنجح التجربة في بلده كما نجحت في الخارج وتساهم في تحرير المدارس الرسمية والخاصّة المرصوصة والمكبّلة بقيود مختلفة وتكبّل معها المعلّمين والمتعلّمين على حدّ سواء؟

 

شاهدوا فيديو من قناة شاب يدعي مايكي أحد تلاميذ وسام الذي كان يعاني من مشاكل في التعبير والإلقاء أمام رفاقه واستطاع تخطي مشكلته بفضل تصوير الفيديوهات وعرضها في الصف بمساعدة أصدقائه

 

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *