متى يمارس المنتجون الأكاذيب التجارية التي تدخل في باب غش المستهلك أو ما يعرف بـ”غسيل الدماغ الأخضر” (greenwash) للترويج لسلعهم التي يزعمون بأنها بيئية ونظيفة وخالية من الأوساخ الكيميائية؟ “غسيل الدماغ الأخضر” يحدث عندما تقضي شركة أو مؤسسة وقتاً طويلا وتنفق الأموال لتثبت زعمها بأنها “خضراء”؛ وذلك من خلال الإعلانات التجارية والترويج المدعوم للتسويق، بدلاً من التركيز على تطبيق الممارسات التجارية التي تقلل إلى الحد الأدنى من الأثر البيئي السلبي. بمعنى أن مثل هذه الشركات والمؤسسات تمارس (مجازا) “غسيلا أبيض”، ولكن باستخدام “فرشاة خضراء”.
انجذابنا التلقائي لشعارات “الأخضر” أو “البيئي” قد يؤثر فينا فورا ويدفعنا لعمل ما هو باعتقادنا السلوك الصحيح، أي شراء السلع “النظيفة” و”البيئية”. لكن ما نشتريه في الواقع قد يكون مجرد طلاء أخضر على أغلفة منتجات غير صحية أو سامة.
تقرير سابق نُشِر في آذار 2017 في هذا الموقع تحديدا (“الأكاذيب التجارية السامة المغلفة بغلاف صحي وبيئي زائف”) عالج ظاهرة الأكاذيب “البيئية” و”الصحية” التي تروجها العديد من الشركات الغذائية والزراعية المحلية والأجنبية على حدٍ سواء. وأشرنا في ذلك التقرير إلى ضرورة عدم الافتراض مسبقا بأن المزاعم البيئية والصحية للشركات التجارية صحيحة؛ لأنه في حالات كثيرة ينثر المنتجون والمصنعون تلك المزاعم دون التحقق منها من جهة مستقلة. وكشف التقرير آنذاك بعض التعابير والمصطلحات الشائعة المدموغة على العديد من السلع التي قد تكون صحية وخضراء حقا، وبالتالي قد تكون تلك التعابير والمصطلحات صادقة. لكن، في حالات كثيرة، قد تكون السلع المعروضة باعتبارها “خضراء” و”طبيعية” مجرد أكاذيب تدخل في باب غش المستهلك.
لذا، يجب ألا تكون الشعارات “الخضراء” على السلع هي المقررة في عملية الشراء، بل علينا الارتقاء بأنفسنا وبأسرنا وعائلاتنا نحو فهم الطرق الأساسية التي تتبعها بعض الشركات لممارسة “غسيل الدماغ الأخضر” (غش المستهلك). هذا ما ستكشف عنه الأسطر اللاحقة.
التركيز على سمة واحدة للمنتج
تعرض بعض الشركات مزاعمها “الخضراء” من خلال تشديدها على سمة واحدة للمنتج، وتجاهلها جميع الأشياء الأخرى. فعلى سبيل المثال، قد يتم تصنيف نوعٍ معينٍ من الورق باعتباره “صديقا للبيئة”، لأنه يحتوي على بعض الخيزران الذي يعد موردا متجددا. ومع ذلك، قد يحتوي هذا الورق أيضًا على قطن غير عضوي مشبع بالمبيدات، وقد يكون ملوّنا بأصباغ سامة ومعالجا بمركب “الفورمالدهيد” السام ومواد كيميائية أخرى لمنع “تجاعيد” الورق والبكتيريا والاشتعال. وربما قد يكون هذا الورق تم تصنيعه في شرق أسيا أو أميركا الشمالية؛ وبالتالي يحتاج إلى كمية هائلة من الوقود الأحفوري لنقله إلى أسواقنا للبيع. وقد يكون غلاف تلك السلعة مصنوعا من “البولي فينيل كلورايد” (PVC) الذي يولد الديوكسينات كمنتج ثانوي، خلال عملية الإنتاج؛ ومن المعروف أن الديوكسينات تتلف الجهاز الهورموني وتتسبب بالسرطان (بحسب منظمة الصحة العالمية). بمعنى، أن القليل من الخيزران لا يُحَوِّل المنتج إلى سلعة “خضراء” حقيقية.
مزاعم دون أدلة
عندما نسير في ممرات أي “سوبر ماركت” نشاهد العديد من المزاعم في كل مكان؛ لكن لو التقطنا قنينة أو عبوة منتوج معين يُزْعَم بأنه “طبيعي” أو “صديق للبيئة”، فقد يكون من الصعب العثور على شهادة أو أي دليل داعم آخر. وفي أحيانٍ كثيرة، قد لا نجد الدليل أيضًا في الموقع الخاص بهذا المنتج. لذا، فلنبحث دائمًا عن شهادات مستقلة تابعة لجهة خارجية أو طرف ثالث.
ادعاءات بلا معنى
تعتبر ادعاءات مثل “طبيعي تماما” و”أخضر” فضفاضة وعامة جدًا وغير محددة بوضوح. ومع ذلك، تظهر تلك الإدعاءات على ملصق المنتج. ولغرض تقييم المنتج يجب أن ننظر إلى أبعد من المزاعم المذكورة على الغلاف وفي قائمة المكونات.
مزاعم قد تكون صحيحة ولكن غير ذات صلة
قد تكون بعض مزاعم الشركات على سلعها صادقة، ولكنها غير ذات صلة تمامًا بالنسبة للشخص الذي سيتخذ قرار الشراء. على سبيل المثال، قد تتباهى شركة ما بأن معطر الهواء الذي تسوقه خال من مواد سامة معينة مثل مركبات “الكلورو فلورو كربون” (CFCs). وبالطبع، يبدو هذا الأمر رائعا؛ لكن المستهلك قد لا يعرف بأن مركبات CFCs قد حظر وجودها منذ عقود في جميع المنتجات.
وبالمثل، “غسيل الدماغ الأخضر” نجده أيضا في الشموع التي يروج لها باعتبار أن فتائلها خالية من الرصاص؛ علما أن “لجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية” الأميركية، حظرت منذ عام 2003 تصنيع وبيع الفتائل والشموع المحتوية على الرصاص في الولايات المتحدة، وبالتالي فإن هذا الزعم غير ذي صلة.
ومن المزاعم الأخرى التي كثيرا ما نراها: “خال من BPA” (Bisphenol-A). هذه المادة الأخيرة عبارة عن مركب كيميائي مضاف إلى البلاستيك متعدد الكربونات وإيبوكسي الراتنجات (مثل بطانة معلبات الطعام) ويشار إليها برقم تعريف الراتنج: سبعة. لذا، عندما نرى أرقاماً بلاستيكية أخرى مثل “خال من BPA”، فمعنى ذلك “غسيل دماغ أخضر” صارخ، لأن مادة BPA الكيميائية تجعل البلاستيك قاسيا ومقاومًا للكسر (بحسب مجلس الكيمياء الأميركي)، ولن نجدها في المواد البلاستيكية اللينة.
تحويل الانظار عن الصورة الأكبر
بعض الصناعات بطبيعتها ليست خضراء إطلاقا، بغض النظر عن الطريقة التي ننظر بها إليها. ومع ذلك، تحاول الشركات المنخرطة في هذه الصناعات أن تركز باستمرار على مبادرة خضراء صغيرة، مثل الاستثمار في الطاقة البديلة أو استخدام بعض المواد المعاد تدويرها في عبواتها. من خلال تركيز انتباهنا على ما هو أخضر، مهما كان صغيرا، فإن هذه الشركات أو الصناعات تهدف إلى جعلنا ننسى الخطايا البيئية الكبيرة التي تتحمل مسؤوليتها. فعلى سبيل المثال، وضع حزمة من السجائر في عبوات معاد تدويرها لا يجعل تلك السجائر “خضراء”.
أكاذيب صارخة
نظرًا لعدم وجود هيئة تنظيمية مركزية لتدقيق ومراقبة السلع “الخضراء”، تسوق العديد من الشركات مزاعم مزورة تمامًا بشأن منتجاتها. فعلى سبيل المثال، عندما لا تحصل شركة أميركية معينة على شهادة من وزارة الزراعة الأميركية تشهد بأن منتجاتها عضوية، تلجأ تلك الشركات إلى الزعم بأن منتجها معتمد باعتباره عضوي. أو قد تدعي بأن عبوة سلعة معينة مصنوعة من مواد معاد تدويرها، في الوقت الذي لا علاقة لتلك العبوة بهذا الزعم إطلاقا.
المصدر: مجلة آفاق بيئية