ثورة الشوف أنجبتها الأم… فكيف خاضت أصعب أيامها؟

ثورة الشوف أنجبتها الأم… فكيف خاضت أصعب أيامها؟

الشوف – فرح الحسنية

 

هي الأمومة شعور المرأة الأقوى ودافعها الأول لاتخاذ أصعب قرارتها وخوض أقسى تجاربها من دون تردد.

 

هي قوة الله وُضعت فيها لتواجه الدنيا بما فيها، بطولها وبعرضها بمشاكلها ومصاعبها، وهي أمانة تحملها، وعلى قلبها مثل السمن والعسل.

 

لأمهات لبنان والشوف بالتحديد قصّة ملهمة مع هذا الشعور، الذي فجّر ثورة حرّكها خوفها على مستقبل أبنائها. ولأن الأمومة حلم يراود كل فتاة، وشعور لا يحدّه الرابط البيولوجي، نزلت الأمهات والآنسات على الطريق من أجل جميع أبنائها… أبناء الوطن!

 

 

 

 

ومن رحم مجموعة خاصة بسيدات وآنسات الشوف تحمل اسم “Ladies In Shouf” أسستها السيدة عبير أبو ضرغم في العام 2018، تضم حوالي الـ 5800 عضوة، كمنصة تلاقٍ بينهن للتعارف وتبادل الأفكار والأراء والمعلومات والأخبار المهمة، ولدت الثورة في ليل 17 تشرين الثاني من العام 2019، عندما كتبت إحدى أعضاء المجموعة منشورًا سألت فيه: ” لماذا لا نشارك نحن أيضًا في المظاهرات في الشوف؟” وذلك بعد أن كانت التحرّكات  قد ظهرت في مختلف المناطق اللبنانية.

 

 

 

 

وأثار هذا المنشور ردودًا بين المشاركة وعدمها، وبين التحرّك في الليل أو الانتظار حتّى صباح اليوم التالي، وهكذا انطلق النقاش عبر مجموعة  على الواتس أب  قامت بتشكيلها إحدى الآنسات، بدأت من خمس سيدات فقط حتّى أصبحت مسيرة مطلبية كسرت ولأول مرة كل حواجز الخوف في الشوف، وحتّما سيكتب عنها التاريخ!

 

 

 

وبين نقطتين حزبيتين حساستين في الشوف، قالت الأم كلمتها الحرّة وصرخت “كلن يعني كلن”، وهي تأخذ القوّة من أطفالها الذين يمسكون بيديها، بمسيرة سلمية زيّنها اللباس الأبيض المشترك، انطلقت صباح يوم الجمعة 18 تشرين الأول 2019 من ساحة الشهداء في بقعاتا إلى دوار بعقلين ساحة ثوار 58.

 

 

 

ورغم بعض المحاولات الحزبية لتغيير مسار المسيرة عند وصولها إلى دوار بعقلين، وتصويبها للهجوم على طرف سياسي معين، إلا أن السيدات كنّ على قدرٍ كافٍ من الوعي لرفض أي نوع من التأثير، فصمدن في مكان المسيرة المقرر.

 

 

 

ومن هذا اليوم بدأت كل أنثى في الشوف تعيش أمومتها على طريقتها، هي الأم التي حملت ابنها في يسارها ومكبّر الصوت في يمينها لتقول له من أجلك سأهز العالم بصوتي ومواقفي ولن أخاف إلا عليك.

 

 

هي الأم التي حملت علمًا في يدها وجنينًا في رحمها ومشت مسيرات عديدة تحت الشمس الحارقة من دون تعب أم ملل.

 

 

هي الأم التي جرّت طفلها في عربة ومشت مع المتظاهرين، خوفًا من أن لا تجده إلى جانبها يوم تحتاج إلى من يجّرها في عربة مماثلة!

 

 

هي التي حملت قلمًا وكتبت على يافطة بيضاء هواجسها وأحلامها وطالبت بحقوق مواطنيها.

 

 

 

هي الأم والزوجة الشوفية التي فقدت شريك حياتها وزوجها الشهيد الذي وحّد اسمه “علاء أبو فخر” كل المناطق اللبنانية ونعاه كل لبناني.

 

 

 

هي الأم الستينية التي قطعت الطريق على كل من يحاول قطع طريق الأحلام على أولادها، جلست على الإسمنت وبين السيارات وهي تبكي وتصرخ: “نحنا عم نسكر كرمالكن”.

 

 

هي التي استيقظت في الخامسة صباحًا في عز برد الشوف ليس لتحضير أولادها للمدرسة، بل لتوعية أولاد أخرين أن اليوم الطريق ليست مفتوحة لباصات المدرسة بل لمسيرات الوطن.

 

 

 

هي التي امتلكت جرأة الأم وأقفلت مؤسسات الدولة ومرافقها العامة ووقفت عند أبوابها لساعات طويلة منعًا لفتحها.

 

هي الأم القائدة التي بصوتها الجهوريّ وحماسها قادت مظاهرات ومسيرات، ورددت شعارات وطنية وأخرى لاذعة صدحت في الآذان.

 

 

 

هي الحكيمة التي كانت تأخذ القرارت الصائبة لحماية التظاهرات وتنهي أي مواجهات أو استفزازات بدبلوماسيتها.

 

 

هي الأم المعلمة التي أنشات “مدرسة الثورة” في الشوف في 23 تشرين الأول 2019، في مبادرة هي الأولى من نوعها على صعيد لبنان، إذ رفضت أن تمر الأيام على التلاميذ من دون دراسة.

 

 

هي الأم الطالبة، طالبة العلم والمستقبل والوطن، خرجت بمريولها من الصف إلى الطريق، عندما اكتشفت أن الصف في هذا البلد لم يعد هو الطريق الوحيد إلى أحلامها!

 

 

 

هي التي قسّمت واجبها بين الوطني والمهني، فحملت العلم بيد والكاميرا باليد الأخرى حتّى توثّق أجمل لحظات الثورة للتاريخ.

 

 

 

هي الأم الفتاة الرقيقة التي ساعدت في نصب خيمة بعقلين، في عز الشتاء لتأووي ثوار منطقتها وتقول لهم “نعم في فوق رأسكم خيمة لقول الكلمة الحرة”.

 

 

هي الأم التي كانت تذهب لتعتني بابنها الرضيع وتعود بعدها إلى ساحة الثورة.

 

 

 

هي الأم الجدّة التي كانت تهتم بأولاد ابنتها حتّى تسطيع الأخيرة المشاركة في المظاهرات.

 

 

هي الأم التي كانت تشارك في جلسات النقاش وهي تحمل ابنها الغافي على يديها.

 

 

هي الأم المغتربة التي قطعت التذاكر والمسافات لتشارك في ثورة وطنها، وتعلّم أولادها معنى الحسّ الوطني.

 

هي التي لم تخف من قول رأيها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي والردّ بكل جرأة على كل التعليقات الحزبية المتطرفة المهاجمة للثورة.

 

 

هي الأم الحنون التي أضاءت شموعًا حزنًا على شهداء الثورة في أول مسيرة شموع غير حزبية تحصل في تاريخ الشوف وذلك يوم 25 تشرين الأول 2019.

 

هي الأم الكتومة التي نفذّت سلسلة بشرية صامتة في سوق بقعاتا في يوم 30 تشرين الثاني، فقالت خلالها الكثير.

 

 

هي التي جالت في أسواق بقعاتا وبعقلين والسمقانية يوم 4 تشرين الثاني 2019، وقالت للتجار “سكّر سكّر هل محل لحتى الأزمة تنحل”، والتي لاقت تجاوبًا من جميع التجار.

 

 

هي الأم التي خافت على أموال الموظفين والمودعين في المصارف، فدخلت إلى عقر دارها بكل جرأة، وتلت بيانًا تحذيريًا عن استغلال المصارف للناس.

 

 

هي التي تعرّضت للاعتداء بفعل سيارة “كسرت عليها” لتكسرها، لكنها شدّت عزيمتها أكثر.

 

 

هي الأم المحبة للبيئة الحريصة على ثروات لبنان والشوف الطبيعية، وحملت شعار الدفاع عن مرج بسري في كل المظاهرات، حتّى لا يتحوّل إلى سدّ.

 

 

هي التي هدمت وركلت حواجز وبوابات حديدية وضعتها الدولة لمنع الناس الدخول إلى مرج بسري، حتّى توقّفت من قبل السلطات الأمنية لتبرر سبب دفاعها عن ثروات منطقتها الطبيعية، وهل هذا يحتاج إلى تبرير؟!

 

 

 

هي الأم المزارعة التي تواءم عطاؤها مع كرم الأرض فكانت يدها قابضة على المعول بأنوثتها المعهودة، شعورًا منها بالمسؤولية اتجاه أبناء منطقتها عندما اشتدت الأزمة الاقتصادية.

 

 

هي الأم التي وجدت أن بقرع الطناجر يمكنها تقديّم الوصفة الألذ والأغنى إلى صحة أبناء الوطن.

 

 

 

هي الأم التي واجهت دعوى قضائية وساعات التحقيق لأنها سألت مسؤولًا: “من أين لك هذا؟”

 

 

 

هي الأم التي حمت ناشطين من قمع وظلم أوامر بعض رجال الأمن.

 

أما تلك الأنسة التي اعتقلت وانتظرت ساعات في المخافر بتهمة أعمال الشغب دفاعًا عن رفاقها المتظاهرين، أليست أمًا؟.

 

 

ألسن هؤلاء السيدات والفتيات اللواتي شكّلن خط الدفاع الأول لحماية المتظاهرين أمهات؟

 

 

 

ألسن هؤلاء اللواتي أول من قطعن طريق الرينغ في ليل 17 تشرين أمهات شرسات؟

 

ولكل من لا يعلم فإن ابنة الشوف كانت من أوائل المشاركين في تلك الليلة وفي الصفوف الأمامية.

 

 

 

هي الأم الزوجة التي كانت تنتظر زوجها لساعات متأخرة من الليل حتّى يعود من ساحة الثورة أو من اجتماع تنظيمي لتحديد مسار العمل في الأيام المقبلة.

 

 

 

أما تلك التي مُنعت من المشاركة  في ساحات الثورة، فالوطن يسمعكِ والثوار ر يشعرون بأدعيتك الصامتة، وتأكدي أن هذا أسمى أنواع التّعبير عن شعور الأمومة.

 

 

 

وأنتِ التي قلتِ: “لو ما ملتزمة بالزي الديني كنت بنزل معكم، قلبنا معكم”، فهذه أعظم درجات الأمومة.

 

 

 

ولكل أمّ ما زالت تؤمن بهذه السلطة الفاسدة ولم تستطع المشاركة في ساحات الثورة، فربما لأنها ترى فيها الخلاص لأولادها وعائلتها، إذًا شعور الأمومة نفسه حتّى لو اختلفت الوسائل!

 

 

 

وطبعًا هو الرجل الذي لم يغب يومًا عن الثورة والمظاهرات، وتحية له زوجًا كان أم أبًا أو أخًا أم ابنًا، ساعد كل امرأة على أن تكون أمًا حقيقية وتعيش هذا الشعور اتجاه وطنها حتى آخر رمق، فدعمها، وشجعها، وساندها، وشاركها بكل خطواتها، ووقف بجانبها في كل المظاهرات، وساعدها على الاعتناء بأولادها، وانتظرها ليلًا حتى تعود من اجتماع طويل، وتحمّل معها تداعيات قول رأيها الحرّ.

 

 

 

 

 

من موقع “بشوفك” تحية لكل أم، وأعاد الله عليهن جميعهن بالخير والبركة واليمن.

 

 

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *